في أحد أقسام الموارد البشرية، قدّم موظف استقالته فجأة بسبب ظروف شخصية، مطالبًا بالمغادرة الفورية. لكن المفاجأة لم تكن في قراره، بل في جهله بحقوقه والتزاماته النظامية. الموقف كشف حجم الفجوة في فهم كثير من العاملين والجهات لآلية الاستقالة وأحكامها في نظام العمل السعودي.
في هذا المقال، نوضّح بإيجاز ووضوح ما يجب معرفته عند الاستقالة في نظام العمل في السعودية، من حيث الحقوق والواجبات والنماذج النظامية، لضمان إنهاء العلاقة التعاقدية بشكل قانوني وعادل.
الاستقالة في نظام العمل في السعودية ما المقصود؟
الاستقالة هي أحد أبرز صور إنهاء العلاقة التعاقدية في بيئة العمل، وتتم بمبادرة من العامل، لكنها ليست مجرد قرار فردي، بل تخضع لضوابط نظامية واضحة لضمان التوازن بين الطرفين.
بحسب المادة (2) من نظام العمل السعودي بعد تعديله بالمرسوم الملكي رقم م/44 بتاريخ 8/2/1446هـ، تُعرّف الاستقالة بأنها:
“إنهاء العامل لعقد العمل بناءً على رغبته المنفردة، وإفصاحه كتابةً عن هذه الرغبة دون إكراه أو شرط، وموافقة صاحب العمل عليها.”
الفرق بين الاستقالة وإنهاء العقد من قبل صاحب العمل:
- الاستقالة: مبادرة من العامل نفسه، ويشترط أن تكون مكتوبة وواضحة وغير معلّقة على شروط عقد العمل في السعودية.
- إنهاء العقد من جهة صاحب العمل: يخضع لضوابط أكثر صرامة مثل:
- وجود سبب مشروع ومثبت.
- إشعار العامل كتابيًا مسبقًا.
- التقيّد بفترات الإشعار المنصوص عليها في النظام.
ويترتب على كل نوع من أنواع الإنهاء آثار نظامية مختلفة، مثل طريقة احتساب مكافأة نهاية الخدمة، ومدى استحقاق التعويض أو الإنذار، وتوثيق العلاقة التعاقدية المنتهية.
الاستقالة في نظام العمل السعودي ليست مجرد قرار لحظي، بل عملية قانونية تبدأ بالإفصاح الخطي وتنتهي بقبولها وفقًا لضوابط النظام، مع تمييزها بوضوح عن الإنهاء الصادر من طرف صاحب العمل.
هل يحق للعامل الاستقالة في أي وقت؟
يعتقد البعض أن العامل يستطيع مغادرة عمله متى شاء، لكن نظام العمل السعودي يحدّد حالات الاستقالة وشروطها بدقة، خاصة فيما يتعلق بطبيعة العقد ومدى توافر الأسباب النظامية.
الحالات النظامية لاستقالة العامل
أولًا: في العقد غير المحدد المدة:
- يجب على العامل تقديم إشعار كتابي قبل 30 يومًا على الأقل إذا كان يتقاضى أجرًا شهريًا.
- في المقابل، إذا رغب صاحب العمل في الإنهاء، فعليه إشعار العامل قبل 60 يومًا، وذلك نص المادة 75، نظام العمل السعودي.
ثانيًا: حالات تتيح الاستقالة الفورية دون إشعار (المادة 81):
يجوز للعامل ترك العمل فورًا دون إشعار، إذا توفرت إحدى الحالات الآتية:
- عدم التزام صاحب العمل بشروط العقد الأساسية.
- غش في التوظيف أو ظروف العمل.
- اعتداء صاحب العمل أو أحد مندوبيه على العامل.
- وجود خطر جسيم يهدد سلامة العامل ولم يُعالج.
- عدم دفع الأجر خلال 60 يومًا دون مبرر مشروع.
ثالثًا: خلال فترة التجربة (المادة 53):
يجوز إنهاء العقد من الطرفين – العامل أو صاحب العمل – خلال مدة التجربة دون إشعار، ما لم يُنص على خلاف ذلك في العقد.
الاستقالة في نظام العمل في السعودية ليست مطلقة من حيث التوقيت، بل تخضع لضوابط تتعلق بنوع العقد، وفترة الإنذار، وظروف العمل. ويستثنى من ذلك حالات محددة يجيز فيها النظام الاستقالة الفورية حمايةً لحقوق العامل وسلامته.
حقوق العامل عند الاستقالة
لا تنتهي علاقة العمل بمجرد قبول الاستقالة، بل تبدأ مرحلة مهمة تتمثل في تصفية الحقوق النظامية التي يضمنها نظام العمل للعامل المستقيل، سواء تعلق الأمر بالمكافآت أو المستحقات الأخرى.
أبرز حقوق الموظف عند الاستقالة من القطاع الخاص:
أولًا: مكافأة نهاية الخدمة: بحسب المادتين 84 و85 من نظام العمل السعودي، يستحق العامل مكافأة نهاية الخدمة وفق الآتي:
- نصف أجر شهري عن كل سنة من السنوات الخمس الأولى.
- أجر شهر كامل عن كل سنة من السنوات التي تلي الخمس الأولى.
وفي حالة الاستقالة، تُحسب المكافأة حسب مدة الخدمة كالتالي:
- ثلث المكافأة إذا كانت مدة الخدمة أكثر من سنتين وأقل من 5 سنوات.
- ثلثا المكافأة إذا كانت بين 5 سنوات وأقل من 10.
- المكافأة كاملة إذا بلغت الخدمة 10 سنوات فأكثر بحسب (المادة 85 – نظام العمل).
ثانيًا: الحقوق المالية والإدارية الأخرى، تشمل:
- شهادة الخدمة: للعامل الحق في الحصول على شهادة خدمة دون مقابل، توضح تاريخ العمل ونوعه وأجره.
- البدلات الثابتة: تُحتسب ضمن الأجر الفعلي لأغراض مكافأة نهاية الخدمة، كبدل السكن والنقل إذا كانت مقررة بعقد أو عرف ثابت.
- وثائق العامل: يلتزم صاحب العمل بإعادة جميع مستندات العامل الشخصية خلال فترة الإشعار.
ثالثًا: صرف الأجور والمستحقات في الوقت المحدد، حيث:
- يُلزم النظام صاحب العمل بصرف جميع مستحقات العامل – من أجور وإجازات وتعويضات – خلال فترة الإشعار أو عند انتهاء العلاقة مباشرة.
- وفي حال التأخير، تُفرض غرامة مالية على المنشأة المتأخرة عن سداد الأجور أو المستحقات النظامية، بحسب المواد 88، 90 – نظام العمل.
يتمتع العامل المستقيل بجملة من الحقوق المحمية نظامًا، وعلى رأسها مكافأة نهاية الخدمة والحقوق المالية والإدارية، ولا يجوز التنازل عنها أو تأخيرها تحت أي ظرف. وعلى العامل توثيق طلب الاستقالة وكل إجراءاته لضمان حفظ حقوقه كاملة.
نموذج استقالة من القطاع الخاص
عند رغبة العامل في إنهاء العلاقة التعاقدية بشكل نظامي، يجب أن يقدّم استقالته كتابيًا وبصورة واضحة، متضمنة بياناته الأساسية، وتاريخ النفاذ، والتزامه بفترة الإشعار المحددة في العقد أو النظام.
فيما يلي نموذج رسمي يمكن استخدامه في سياق الاستقالة في نظام العمل في السعودية من منشأة في القطاع الخاص:
التاريخ: … / … / …
إلى سعادة مدير إدارة الموارد البشرية – [اسم المنشأة]
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الموضوع: طلب استقالة.
أتقدم أنا/ …، الموظف بوظيفة: …، ورقم الهوية الوطنية: …، بطلب استقالتي من العمل لدى منشأتكم المحترمة، وذلك اعتبارًا من تاريخ … / … / …، التزامًا بما ورد في المادة (75) من نظام العمل السعودي، وما تقضيه أحكام العقد المبرم بيننا من ضوابط.
أؤكد التزامي بالاستمرار في أداء المهام الموكلة إليّ خلال فترة الإشعار النظامي (30 يومًا أو حسب ما هو منصوص عليه في العقد)، وتسليم جميع العهد والمستندات المتعلقة بالعمل وفق الإجراءات المتبعة.
أثمّن لكم ما وجدته من دعم وتعاون طوال فترة عملي، وأرجو التكرّم باتخاذ ما يلزم لإتمام إجراءات إنهاء العلاقة التعاقدية وفق النظام.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام،
الاسم: …
التوقيع: …
رقم التواصل: …
التاريخ: … / … / …
- هذا النموذج يُعد مناسبًا للعقود الخاضعة لنظام العمل السعودي، سواء كانت محددة أو غير محددة المدة.
- يجب أن يُسلَّم الطلب ورقيًا أو عبر البريد الإلكتروني الرسمي مع الاحتفاظ بإثبات التقديم.
- يُنصح العامل بالاحتفاظ بنسخة موقعة ومؤرخة من الاستقالة، تحسّبًا لأي نزاع مستقبلي.
دور المحامي في الاستقالة وقضايا إنهاء العقد
في كثير من الحالات، لا تكون الاستقالة مجرد إجراء إداري، بل قد تتحوّل إلى نزاع قانوني بسبب رفض صاحب العمل قبولها، أو تأخره في صرف المستحقات، أو اختلاف تفسير شروط العقد. هنا يظهر دور المحامي المتخصص كضامن لحقوق العامل، وموجّه قانوني يُساعده على اتخاذ القرارات الصحيحة.
أبرز مهام المحامي في هذا السياق:
- تدقيق عقد العمل ومراجعة الشروط النظامية: يقوم المحامي بفحص بنود العقد، والتحقق من مدى التزام العامل أو صاحب العمل بشروط الإنهاء، خاصة ما يتعلق بفترات الإشعار، أو الجزاءات، أو شروط المكافأة أو التظلم الداخلي.
- التمثيل أمام الهيئات العمالية: في حال رفض الاستقالة أو عدم صرف الحقوق، يمثل المحامي العامل أمام الهيئة القضائية العمالية المختصة، ويُقدّم دفوعه وفق القواعد الإجرائية المعتمدة، بما في ذلك إثبات الاستقالة النظامية والضرر الواقع.
- إعداد المذكرات والاعتراضات: يقوم المحامي بصياغة المذكرات القانونية والتظلمات الرسمية، استنادًا إلى المادة (43) من نظام المرافعات أمام الجهات العمالية، لضمان حقوق التعويض أو تسوية النزاعات بشكل سليم.
- الاعتماد على السوابق القضائية: يُستند أحيانًا إلى أحكام سابقة، مثل قرار المحكمة الإدارية المشار إليه في المادة (234)، والذي أقر بأحقية العامل في تقديم الاستقالة طالما استوفت الشروط، ووجوب صرف جميع مستحقاته دون مماطلة.
استعانة العامل بمحامٍ متمرس في قضايا العمل والاستقالة ليست خيارًا ثانويًا، بل ضرورة في حالات النزاع أو التعقيد، لضمان حصوله على حقوقه كاملة، ومواجهة أي ممارسات تعسفية قد تصدر من جهة العمل.
الأسئلة الشائعة حول الاستقالة في نظام العمل في السعودية
وفي الختام الاستقالة في نظام العمل في السعودية ليست مجرد إجراء روتيني، بل عملية قانونية تحكمها نصوص واضحة تُحدّد حقوق العامل وصاحب العمل، من الإخطار النظامي إلى استحقاقات نهاية الخدمة والتعويضات.
ولأن أي خلل في هذه الإجراءات قد يؤدي إلى فقدان الحقوق، فإن الاستعانة بمحامٍ مختص تُعد خطوة مهمة، خاصةً عند وجود خلاف أو تأخير في صرف المستحقات.
للاستشارة القانونية من شركة محاماة في جدة، تواصل معنا عبر صفحة اتصل بنا أو من خلال زر الواتساب أسفل الشاشة.
مواضيع ذات صلة: عقوبات نظام العمل السعودي، وأيضاً القضايا العمالية في السعودية، وكذلك تقديم شكوى مكتب العمل على الكفيل، أيضا رفع دعوى في المحكمة العمالية، وحقوق العامل عند الفصل التعسفي.
المصادر:
- نظام االعمل السعودي.

مستشار قانوني متخصص في القانون السعودي.
ينشر مقالاته بشكل دوري في الموقع.
يكتب في مختلف مجالات القانون السعودي: كالقانون الجزائي, التجاري, الأحوال الشخصية, كتابة اللوائح والاعتراضات والمذكرات القانونية.